تناول الكاتب إحسان أكتاش في مقال نشرته صحيفة ديلي صباح، كيف فضحت تحركات إسرائيل الأخيرة حدود النفوذ الأميركي في المنطقة.
كشفت التصرفات الإسرائيلية أن حكومة نتنياهو تسعى عمدًا إلى كسر الضغوط العالمية، بينما تُظهر ضعف واشنطن عن ضبط حليفتها. لا أحد يعلم على وجه الدقة طبيعة النفوذ الذي تملكه إسرائيل على الولايات المتحدة، لكن كلما حاولت واشنطن التقدّم في أي ملف، سارعت إسرائيل إلى تقويضه وممارسة ما طُلِب منها تجنّبه.
عند اندلاع الحرب على غزة، كثّف الجيش الإسرائيلي قصفه إلى حدٍ بالغ الوحشية، فاستهدف مستشفىً وقتل مرضى ورُضّع وأطباء. وعندما عبّر العالم عن غضبه، بما في ذلك إدارة بايدن، قصف الطيران الإسرائيلي كنيسة أثرية في التو.
أصدرت الولايات المتحدة تحذيرات واضحة ضد غزو رفح، لكن الحكومة الإسرائيلية وسّعت عملياتها، واغتالت قادة من حزب الله في بيروت. وعندما بدأت تُوجّه اتهامات بالإبادة الجماعية ضد إسرائيل، وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية ملاحقات، وصدرت مذكرات اعتقال في بعض الدول الأوروبية، لم تُهدّئ إسرائيل من وتيرتها، بل صعّدت الهجمات، مستهدفة مواقع في إيران وبيروت.
وفي ذروة الضغط الدولي، نفّذت إسرائيل اغتيالاً جريئًا استهدف إسماعيل هنية داخل الأراضي الإيرانية، في قلب طهران.
كالقطة والفأر
اعتاد نتنياهو التعامل مع بايدن بأسلوب القطة التي تلهو بفأرها. ثم بدأ يفعل الشيء نفسه مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ما ضاعف من ارتباك واشنطن.
حين اقتربت سفينة مادلين، التي تقلّ نشطاء دوليين متوجهين لفك الحصار عن غزة، من حدود إسرائيل، وتصاعدت التظاهرات ضد تل أبيب في العواصم الأوروبية وعبر العالم، شنّ الجيش الإسرائيلي هجومًا على إيران، محوِّلًا أنظار العالم بعيدًا عن غزة.
وعندما عاد الحديث إلى جرائم إسرائيل في غزة، وسعى ترامب لإحياء مفاوضات سلام، مكررًا وعوده بـ"سلام هذا الأسبوع، وسلام الأسبوع القادم"، باغتت إسرائيل الجميع بهجوم على سوريا.
رغم سماح ترامب لإيران بالرد جزئيًا على إسرائيل، فإن السبب الحقيقي لتوقف التصعيد يعود إلى نجاح إيران في توجيه ضربة مباشرة لأهداف إسرائيلية.
تقويض الإستراتيجية الأميركية
لا يكتفي نتنياهو باحتلال غزة وسوريا وبيروت عسكريًا، بل يكشف حدود الهيبة الأميركية عالميًا. دافعت الولايات المتحدة، منذ تأسيسها كقوة ثورية، عن وحدة الأراضي السورية واستقرارها، بل تبنّت موقفًا متقاربًا مع تركيا في هذا الملف. لكن نتنياهو تجاهل ترامب وتوصيات مستشاره لشؤون سوريا وتوركيا، توم باراك، وأثار توترات بين الدروز ودمشق، ثم شنّ هجومًا مباشرًا على العاصمة السورية.
كما يضرب نتنياهو في العمق جهود واشنطن لتوسيع علاقات إسرائيل مع الدول المسلمة، وهي سياسة اعتمدتها الإدارات الأميركية المتعاقبة لتعزيز حضورها في المنطقة. تتّسم السياسة الخارجية الأميركية بالحذر، وتسعى لتفادي صدام مباشر بين تركيا وإسرائيل. لكن تصرفات نتنياهو تُظهر تحدّيًا صريحًا لهذه الرؤية، دون أي مؤشر على توقف هذا التمرّد السياسي.
يُعلن نتنياهو بشكل غير مباشر أن الدول المسلمة — إيران، لبنان، سوريا، العراق، مصر، السعودية — لا تملك وزنًا حقيقيًا في حسابات إسرائيل. يُظهر كذلك أن جهود الدول الغربية لصنع سلام في المنطقة مجرد أوهام. يُجبر العالم على الاعتراف بأن الولايات المتحدة، رغم قوتها، تبدو كأداة في يد تل أبيب.
https://www.dailysabah.com/opinion/columns/how-israel-dismantles-us-middle-east-agenda